الكعبة المشرّفة… قلب الأرض ومهوى أفئدة المؤمنين. الكعبة المشرفة هي أقدس بقعة على وجه الأرض، وموضع تعظيم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. إنها أول بيتٍ وضع للناس لعبادة الله وحده، قبلة المسلمين التي تتجه إليها قلوبهم وأبدانهم في الصلوات الخمس، فلا تُقبل صلاة إلا باستقبالها، وهي مقصد الحجيج والمعتمرين من كل فجٍ عميق.
يقع هذا البناء المهيب في وسط المسجد الحرام بمكة المكرمة، وقد شيّده إبراهيم عليه السلام وابنه إسماعيل بأمرٍ من الله تعالى ليكون رمزًا للتوحيد الخالص.
شيدت الكعبة بالحجارة الصلبة من جبال مكة، ويبلغ ارتفاعها نحو خمسة عشر مترا، ويتكون هيكلها من أربعة أركان تشير إلى جهات الأرض، ولكل ركن منها اسم ومعنى تاريخي عميق: الركن اليماني، الركن الشامي، الركن العراقي، والركن الأسود الذي يبدأ منه الطواف وينتهي إليه.
تحمل الكعبة في كل تفصيل من تفاصيلها دلالات روحية وتاريخية سامية؛ فحجرها الأسود شاهد على العهد، وملتزمها موضع الدعاء والرجاء، وحجر إسماعيل يحتضن أثر النبوة والرحمة. يكسوها الحرير الأسود المطرز بخيوط الذهب، في مشهد يجسد هيبتها وبهاءها على مدى العصور.
ولأن معرفة مكونات الكعبة المشرفة تزيد المؤمن تعلقا بها وإجلالا لقدرها، نستعرض في هذا المقال تفاصيلها ومعانيها.
الحجر الأسود
يعد الحجر الأسود من أبرز معالم الكعبة، وهو أقدس أجزاء الكعبة، وموضع البدء والانتهاء في الطواف. يقع في الركن الجنوبي الشرقي، محاط بإطار من الفضة الخالصة صونا له. ورد في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم: «نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضا من اللبن، فسودته خطايا بني آدم». يستقبل المسلمون طوافهم به، ويستحب استلامه أو الإشارة نحوه اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي قبله بيده الشريفة، ليبقى رمزا للعهد والوفاء والتوحيد.
باب الكعبة
يقع باب الكعبة في الجهة الشرقية منها، وهو المدخل الرئيسي. الباب الحالي مصنوع من الذهب الخالص بأمر من الملك خالد بن عبد العزيز رحمه الله، ويزن مئات الكيلوغرامات. يعتبر باب الكعبة أحد أهم عناصر جمالها وهيبتها.
الميزاب (مزراب الرحمة)
يوجد في أعلى الكعبة من الجهة الشمالية، وظيفته تصريف مياه الأمطار المتجمعة على سطحها. الميزاب الحالي مصنوع من الذهب الخالص، ويُعرف باسم “مزراب الرحمة”، لأن من وقف تحته ساعة المطر تُرجى له الرحمة والدعاء المستجاب.
إنه رمزٌ للجود الإلهي المنهمر من السماء على الأرض الطاهرة.
الشاذروان
هو شريط رخامي مرتفع يحيط بأسفل جدران الكعبة من جميع الجهات باستثناء جهة حجر إسماعيل. تتمثل أهميته في دعم جدار الكعبة وحماية أساسها من السيول، إضافة إلى تثبيت كسوة الكعبة. كلمة “شاذروان” تعني الإزار أو الغطاء الواقي.
الحِجر أو حجر إسماعيل
يقع شمال الكعبة على هيئة نصف دائرة متصلة بها، ويُعرف أيضًا بـ الحطيم. وهو جزءٌ أصيل من الكعبة لا يكتمل الطواف إلا بالدوران من حوله لا من داخله. سُمّي بحجر إسماعيل لأن السيدة هاجر كانت تفترش فيه مع ابنها إسماعيل عليه السلام، ويُروى أن إبراهيم عليه السلام جعله ملاذًا لهما. ذلك الركن يحتضن الذكريات الأولى للعطاء والإيمان.
الملتزم
الملتزم هو الجزء الواقع بين الحجر الأسود وباب الكعبة. يستحب للزائر أن يلتصق به داعياً الله بتضرع، فقد عرف بكونه مكانا يستجاب فيه الدعاء. هذا الموضع يحمل دلالة على القرب من الله تعالى والخضوع له.
مقام إبراهيم
مقام إبراهيم هو الحجر الذي وقف عليه سيدنا إبراهيم عليه السلام عند رفع قواعد الكعبة. لا يزال أثر قدميه ظاهرا فيه إلى اليوم. أمر الله المسلمين أن يتخذوا من مقام إبراهيم مصلى، ﴿وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ (البقرة: 125)، حيث تصلّى خلفه ركعتي الطواف بعد إتمام الشوط السابع.
أركان الكعبة الأربعة
للكعبة أربعة أركان، كل منها له اسم و دلالة جغرافية:
- الركن الشرقي ويضم الحجر الأسود
- الركن العراقي من جهة الشمال الشرقي.
- الركن الشامي من الشمال الغربي.
- والركن اليماني من الجنوب الغربي. الركن اليماني يستحب استلامه أثناء الطواف لما فيه من فضل.
كسوة الكعبة
كسوة الكعبة هي تلك الحُلّة السوداء المطرّزة بخيوط الذهب والفضة، تُجدد كل عام في يوم عرفة، وتُصنع من أفخر أنواع الحرير الطبيعي في مجمع كسوة الكعبة المشرفة بمكة المكرمة. تزدان بآياتٍ قرآنية تحيط بالكعبة كإطارٍ من نور، في مشهدٍ تتجلّى فيه المهابة.
داخل الكعبة المشرفة
داخل الكعبة يحتوي على أعمدة خشبية ضخمة تدعم السقف، كما يوجد درج يؤدي إلى سطح الكعبة. جدرانها مكسوة بالرخام الأبيض المزخرف، وفيها موضع خاص يُعرف بـ “مقام التوبة”، يصلي فيه أحيانًا كبار الزائرين والضيوف.
الخاتمة
إن زيارة الكعبة المشرّفة ليست مجرّد رحلةٍ إلى بيتٍ من حجر، بل هي سفرٌ إلى أعماق الإيمان وتجددٌ للعهد مع الله، حيث تفيض القلوب بالسكينة، وتنبض الأرواح باليقين والانتماء إلى أمةٍ جمعتها قبلة واحدة وغاية واحدة.
وانطلاقًا من خبرةٍ تمتد لأكثر من أربعة عقودٍ في خدمة ضيوف الرحمن، نواصل سعينا لتجسيد معنى الضيافة الروحية في أبهى صورها، عبر باقات متكاملة صُمّمت بعناية لتلبي احتياجات الحجاج والمعتمرين بمختلف فئاتهم. فتبقى رحلة ضيوف الرحمن معنا ذكرى تُروى… وتجربة تُخلّد في الوجدان.





